موضوع: ملامح من شخصية الرسول الأعظم, جميل الجمعة أبريل 18, 2008 8:59 pm
“شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) ودعوتُه في القرآن الكريم” كتاب ألفه الدكتور محمد علي الهاشمي، وأصدرته دارُ البشائر الإسمية في بيروت، وهو اختيارُنا لهذا اليوم، فهذا الكتاب يضع بين يدي القارئ أصدق صورة، وأوضحها وأدقها لشخصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، و غرو أن تتصف بهذا الصدق وتلك الدقة فإن النبعَ الذي أمدها والكنزَ الذي أثراها هو القرآن الكريم.. الكتاب الخالد المحفوظ بحفظ الله عبر القرون، والواصل إلى كل جيل تواترا ب أدنى تغيير أو تحريف. المؤلف قرأ القرآن، وشدته الآيات التي تتحدث عن رسول الإسم، فشغلت فكرَه إلى أن أخرجها في ثوبها هذا عبر كتاب اليوم (شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) ودعوتُه في القرآن الكريم). وكان من أشدِّ ما يجذبُ المرءَ ليقرأ هذا البحث هو أنه يغرفُ من بحر القرآن فهو صدقٌ كلُّه، و يتسللُ إليه أي شك مما قد يصيب كتبَ السيرة إذا أخذت من بعض الروايات أو الأخبار.
لقد بذل المؤلف جهدا كبيرا في تتبع الآيات وجمعها واستقصائها، وعاد إلى كتب التفسير وعلوم القرآن لتكون مراجعَ له وليصوغَ لنا بريشة التأثر وقلمِ الإحساس هذا السِّفرَ القيم.
فلنقرأ معا شيئا مما قاله في مقدمته: (وهذه الآياتُ تتناول تفاصيلَ حياة الرسول التي بد منها لكتابة السيرة أو الترجمة. ومن هنا انحصر عملي في استعراض الخطوط السريعة الحاسمة لشخصية الرسول التي رسمها القرآن الكريم واضحةً مشرقة، تبرزُ من خلها السماتُ الأصيلة، والممحُ الصحيحة الصادقة لشخصيته العظيمة، وتتألف من مجموعها أصدقُ وأوضح وأدق صورة لها، يضاف إلى ذلك أن دراسة شخصية الرسول ودعوتِه من خل القرآن الكريم على النحو الذي ذكرتُ بحثٌ شائق، فيه من الجدة والطرافة والحيوية ما نجده في السيرة أو الترجمة. وطَبيعيّ أنه لم يكن لي في عملي هذا من مصادر أعتمد عليها سوى القرآن الكريم، فرُحتُ أقلبُ صفحاتِه صفحةً صفحة، مستخرجا الآياتِ المتعلقة بشخصية الرسول الكريم ودعوتِه، فأجمعُها وأصنفُها حسب الموضوعات، ثم أتخذ منها مخططا للبحث في كل ناحية من نواحيه، مستشعرا ما توحيه هذه الآياتُ البينات من معان، وما ترسمُ من معالمِ هذه الشخصية في شتى جوانبها).
ظهر لنا الكتاب في أربعة فصول، اختص الأول منها بشخصية الرسول البشرية، والفصلُ الثاني يتناول إعداده لحمل الرسالة، وتطرق الفصل الثالث إلى شخصية الرسول النبوية، وكان الفصل الرابع بعنوان: الرسولُ والناس، ثم انتهى بخاتمة ضمنها المؤلف نبضَ عواطفه وعقله على السواء.
الشخصية البشرية
نبدأ معكم باستعراض الفصل الأول عن (الشخصية البشرية) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث نطالع آياتِ الوحي المؤكدة بشريتَه صلوات الله وسمه عليه، ونعرف موقف المنكرين من ذلك حيث جهلوا قيمةَ الإنسانية فاستكثروا أن يبعثَ الله بشرا رسو يتصلُ المَلكُ به، ويكلَّف بهداية الناس.
ويحكي هذا الفصل ذاك السجالَ الذي دونته آياتُ الكتاب عما دار بين المشركين ورسول الله من طلب المعجزات، والرد الثابت بتأكيد البشرية وتوكيل الأمر لله. (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا(7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُ مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِي(9) (الفرقان).
ثم يمضي الكتابُ ليذكرَ ممحَ البشرية وعماتها، ومنها وفاة الرسول، وتعني أنه يعلمُ من الغيب إ ما يطلعه الله عليه، إنه بشرٌ كسائر البشر، لكنه بشرٌ صنعه الله على عينه، وأدبه فأحسنَ تأديبه.
ومن ممح الشخصية البشرية أنه رسولٌ أميّ بعث في قوم أميين لم يكونوا شيئا مذكورا فجعلهم شهداء على الناس، وكرمهم بحمل راية القيادة في الأرض، وقد جمع هذا النبي الأمي من كريم الخصال وعالي الصفات ما جعله أه لحمل تلك الرسالة وتوصيلها، وحفلت آيات القرآن ببيان تلك الصفات ومدح تلك الأخق، فمنها مثا حصرا الرحمة، قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) آل عمران.
ومنها الحرص على الناس وإرادة توصيل الخير إليهم، قال الله عز وجل: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ ) (التوبة 128).
وكان من حرصه ذاك شديدَ الرغبة في إسمهم، شديدَ الأسف عليهم حتى خاطبَه ربه: (وَمَنْ كَفَرَ فَ يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ.) وقال له: (فلعلك باخعٌ نفسَك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً).
ومنها شجاعته الباسلة كما حدث يوم أحد حين هُزم المسلمون وتقهقروا، لكن رسول الإنسانية ثبت وبقي يدعوهم وسط الميدان، قال الله عز وجل: “إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (153) آل عمران.
توجيه قرآني
ننتقل معكم إلى الفصل الثاني لنقرأ المزيد عن إعداد الله للرسول (صلى الله عليه وسلم) للرسالة، حيث جمع المؤلف ذلك في هذه العناوين: دعوتُه إلى العبادة والذكر تلقينُه أساليبَ الدعوة وتكاليفَها تأييدُ الله ورعايته له تحديد قبلته بالمسجد الحرام.
فلقد عُني القرآن أشد عناية بتوجيه النبي (صلى الله عليه وسلم) نحو العبادة والتبتل والذكر واستغفار والتسبيح ليتوجه بقلبه وروحه إلى الله في عبادةٍ صادقة مخلصة يفجرها الوحيُ من قلبٍ نابض بمعرفة الله، متصلٍ به أكمل اتصال.
كما عني القرآن بتوجيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في دعوته، ورسمَ له طريقَ الدعاة الهداة، وربى فيه الشخصية الداعية الصابرة الثابتة التي تسير قدماً مهما واجهتها الصعاب، ونمّى فيه الثقة وغرس اليقين بنصر الله وتأييده في آيات متتابعات أو متفرقات، تخاطبه بحنان، وتمنحه الأمان، وترشده إلى طريق اتصال بالرحيم الرحمن.
في الفصل الثالث من كتابنا نرى بعضَ ممح الشخصية النبوية، فهو الرسولُ الموحى إليه، المرسَلُ بالحق الخالص لهداية هذا الوجود، فهو حاملُ عبء الإنذار والتبليغ، موحى إليه بكتاب الله وآياته البينات: “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)” الشورى
ومما يوحى إليه به أخبار الأقوام السابقة، وبعضُ أنباء الغيب، قال الله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (44) آل عمران.
وهو عليه الصة وأزكى السم المبلِّغُ رسالةَ ربه، المبينُ طريق الحق من طريق الضل، فقد شاء الخالقُ أن يركّبَ في البشر استعدادا للهدى واستعدادا للضل، وأن يمنحهم مشيئة اختيار، ويبينَ لهم السبيل بالعقل وبآيات الكون وبإرسال الرسل ليبلغوا عن الله أوامره وأحكامه، لذلك نجد الآيات تدعو الرسولَ صلى الله عليه وسلم إلى أن يبلغَ ويخبر فكثرت الآيات المصَدَّرة بقول (قل) تأمره بالتبليغ الذي أحسن أداءه، وأبلغ ما أراده منه ربه الذي جعله شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، يهدي البشرية وينقذها من طرق الضل، لكن شياطين الإنس أعرضوا، وخرجوا عن السبيل، وعميت قلوبهم عن الحق الذي معه حتى قالت الآيات تخفف عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجده من أذى الإعراض وحزن على المعرضين: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) النمل.
ويمضي هذا الفصل ليتتبع بعض مواقف الرفض والجحود والإنكار من الكفار، وموقف التأييد من الله، وموقف الثبات من رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد جاء إلى الأمة هاديا يحمل مشعل النور ليضيء سبيلها في دروب الحياة بآيات الله البينات: “هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرؤوفٌ رَحِيمٌ (9) الحديد.
وهذا الرسول هو رحمةٌ للعالمين، لم تقتصر رسالتُه على دعوة قومه كما كانت رساتُ الأنبياء من قبله، ولم يضق صدرُه عن تحمل البشر كافة بل اتسع ليرجو هدايتَهم في كل زمان ومكان، حام منهج الهداية الرباني الخالد الذي ينظم شؤون الحياة ويسوي بين الناس أمام القضاء، وينهي عهدَ الذل، ويوقظ الضميرَ الذي طال نومه، ولئن التزمت به البشرية فهو سعادتُها وهو نورُها المنقذُ من ظلمات الضل إلى قيام الساعة.
الرسول والناس
(الرسولُ والناس) هو عنوان الفصل الرابع والأخير من كتاب اليوم، وفيه نقرأ في الفصول الجزئية: الرسولُ والمشركون الرسولُ وأهل الكتاب الرسول والمنافقون الرسول والمؤمنون.
فهذه هي الفئات التي تعامل معها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وقد تحدث القرآنُ عنها ولم يهملها، وأحسن الكتاب جمعَ الآياتِ وشرحَ أبعادِ العقات منها، ففي فصل (الرسولُ والمشركون) نقرأ الجدالَ الطويل الذي ووجهَ به نبي الله (صلى الله عليه وسلم)، وتواجهنا مواقفُ الكفر والعناد واستكبار، ونعرف طلباتِ المشركين التي وضعوها لكي يصدقوا بدعوته وأولُها طلبُ تبديل القرآن أو الإتيان بغيره، ونقرأ كيف رد عليهم القرآن بقوة، وفضح دخائلَ نفوسهم، وعرى مكنونات صدورهم، وأقام الحجة عليهم.
وفي فصل (الرسولُ وأهلُ الكتاب) نتابع جدلَ اليهود والنصارى، ونفضح علمَهم بحقيقة الرسول والإسم، واستكبارَهم على ما كانوا يعرفون ويدعون إليه، وتحريفهم لكتبهم السابقة، ونتابع الدعوة المنصفة إلى كلمة سواء إلى كلمة التوحيد المشتركة بين كل الأديان السماوية، ويرد على بعض شبهاتهم وادعاءاتهم كألوهية المسيح، ويبين أصل خَلْقِه ومنزلته عند ربه. ونختتم الفصل بالآية القرآنية التي تبين موقف الرسول صلى الله عليه وسلم ووظيفته وبراءته مما يقول الظالمون: ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) (119) البقرة.
ومع المنافقين ينقلنا الفصل الثالث إلى مواقف المواجهة الجديدة في أرض المدينة، ويبين شيئا من عمات الصبر والثبات النبوي في مواجهة هذه الطائفة الجديدة بكل ما تحمله من خطر على الدولة الوليدة، وكل ما تبثه من التخذيل والتشكيك بين الصفوف، لقد كانت حملةً قرآنية على المنافقين تقض مضاجعَهم، وتحبط مؤامراتهِم، وتلسعهم بسياط الحقيقة ليلَ نهار.
أما (الرسولُ والمؤمنون) فهو الختام الجميل لهذا الكتاب، وفيه نعرف دعوة القرآن إلى حسن معاملة الرسول، ونتبين منزلةَ الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أصحابه ومن المؤمنين عامة، ونعرف بعض التوجيهات الحكيمة في حياة الرسول والمؤمنين، ونستكشف أخق المؤمنين التي هيأتهم لتلك المعاملة الطيبة.
إن شخصيةَ الرسول شخصية إنسانية عالمية، لم تكن وقْفا على أمة دون أمة، فهي قدوة كل إنسان فتح قلبَه للنور، وأرهف حسَّه لتلقي الحقائق الخالدة، وقاد نفسَه لسماع همسات هذه الحقائق وإيقاعاتها في فطرته، مهما كان جنسه ومهما كان لونه، ومن أي أمة كان. ف غروَ إذاً أن كانت هذه الشخصية العظيمة جديرة بأن تقود الإنسانية جميعا برسالتها السماوية الخالدة نحو الحياة الكريمة الخيرة الآمنة في الدنيا، والفائزة السعيدة الراضية في الآخرة.
حقا لن نستطيع أن نعرضَ هذا الكتاب كما يجب، فإن السرعةَ تحول دون تبين ممح تلك الشخصية العظيمة كما ينبغي، ولكن القراءةَ للكتاب تكسبنا معرفة وعلما وتعايشا مع آيات الله واختطا بحياة الرسول في دعوته وتبليغه وحرصه، فأي عرض أو إيجاز يؤدي غرضَ الكتاب، لذا نرجو معذرة إن ضاق القلم عن الكتابة أو عجزت ألسنتنا عن حسن التقديم، فما نطق به القرآن يؤديه البشر بأسلوبهم الناقص مهما ارتفع، وما زخرت به حياة أشرف الخلْق يفي بشيء من حقه إ محاولة العيش مع آيات الله وتبين معانيها
المدير عضو مبتدئ
المشاركات : 87 العمر : 38
موضوع: رد: ملامح من شخصية الرسول الأعظم, جميل الأحد أبريل 20, 2008 1:54 pm